لقد كان الميناء خلال القرن 15م هو المنفذ الوحيد للوطاسيين للتزود بما يحتاجونه من أوربا, خاصة الأسلحة, وكان التجار يقصدونه من مختلف الجنسيات رغم خطورة العقوبات التي يتعرضون لها, وهذا يدل على استفادتهم من التعامل مع هذا المركز التجاري والوطاسيون يقدرون أهمية الميناء بحكم انه أهم مرسى بقي بحوزتهم بعد أن تمكن الايبيريون من احتلال أغلب الثغور (مليلية – القصر الصغير – طنجة – أصيلة وسبتة ...).
ولذلك حصنوه واهتموا به اهتماما شديدا, وشجعوا عمليات الجهاد التي كانت تنطلق منه. وكان الوطاسيون يسمحون لقراصنة الجزائر بارتياده لنفس الغاية, ستعرف العرائش أول نواة حضرية متمثلة في قصبتها على يد السلطة الوطاسية (1554م – 1471م) خلال العشرية الأخيرة من القرن 15م, وفي هذا الإطار يذكر حسن الوزان أن "ابن سلطان فاس(محمد الشيخ 1505م – 1471م) قرر تعمير العرائش وعمل على تحصينها بشكل جيد".
لقد شكلت هذه القصبة النواة الأولى للتطور لمدينة العرائش خلال القرن 16م فرغم مساحتها المتواضعة فقد كانت كل البنيات الأساسية من أبواب ومساجد وقصر الحاكم, وتحتل القصية موضعا مرتفعا. يحيط بها سور وتتخلله أبراج نصف دائرية. وكن للقصبة بابان لم يبق منهما إلا باب القصية الحالي الذي يقع بجهة الغرب ويؤدي إلى مقر الحاكم.
أما الباب الثاني الذي اندثر فكان في الجهة الجنوبية الشرقية بجوار دار المخزن
إن دلالات أثار الوطاسيين تبرهن بشكل قطعي الطبيعة العسكرية التي كانت تحتها مدينة العرائش بالنسبة للمغرب خلال أواخر القرن 15م وبداية القرن 16م, ويتضح ذلك من خلال اختيار موقع المدينة فوق قلعة وإحاطة المدينة بأسوار قوية. وتحصينها بأبراج نصف دائرية بارتفاع 7 أمتار وقطر 2.5م, فالعرائش انخرطت في حركة الجهاد بالشمال الغربي للمغرب ضد الاحتلال الأجنبي منذ سقوط سبتة سنة 1415م الذي كان بمثابة الشعلة التي ألهبت حماس قواد الجهاد المحليين في الهبط والفحص.
إذن فقد اجتمعت عوامل عدة جعلت من العرائش ثغرا لاحتضان حركة الجهاد فمرساها الواقع على مصب نهر اللكوس على شكل خليج, وكأنه يوفر شروط الحماية والقدرة على الهجوم المتطلبة, مما جعل منه ملجأ للمراكب. أما باب. لها دلالات تجارية وقضائية مهمة, فقد كانت تعتبر المدخل الرئيسي للمحاكم وبجوارها فضاء القضاء (الذي تحول حاليا إلى متجر لبيع اللحوم). إضافة إلى دور القصبة الدفاعي والحمائي, الباب كانت تقوم كذلك بدور تجاري متمثل في حدوث المبادلات التجارية عبرها.
ويتضح من خلال تصميم النواة الأولى لمدينة العرائش رغم صغر حجمها فإنها تحوي كل مرافق المدينة المتحضرة من تحصينات ومؤسسات رسمية تابعة للحكم الوطاسي من دار الحاكم وسوق ومشور للقضاء وغير ذلك. كما أن الأسوار في جزء منها مبنية بأحجار كبيرة مصففة بشكل جيد ولا يوجد بينها مواد ماسكة.
رغم ذلك فهذه الأسوار كانت قوية جدا كما أن هناك نوعا أخر من الأسوار ذات أساسات كبيرة وبأحجار متوسطة الحجم وبناؤه مائل بشكل طفيف,
أضف إلى ذلك شكل الأبراج المرتفعة نصف الدائرية التي كانت في الأصل 11 برجا لم يبق منها إلا خمسة, وهي مائلة كذلك بشكل طفيف وذات أساسات قوية ومبنية فوق نتوءات صخرية صلبة, فرغم تداخل جزء كبير من الأسوار والبروج بالمنازل السكنية فإن الأثر المتبقية حاليا لها دلالة واضحة على مدى شدة تحصين المدينة على يد الوطاسيين, إن وجود كثرة أبراج المتبقية دليل أخر على كثرة عيون الحراسة, وكل ذلك يؤكد الأساس العسكري الحمائي والجهادي الذي طبع المدينة العتيقة إبان إنشائها.