السبت، 10 أبريل 2010

الآثار الوطاسية بالمدينة ودلالاتها التاريخية



لقد كان الميناء خلال القرن 15م هو المنفذ الوحيد للوطاسيين للتزود بما يحتاجونه من أوربا, خاصة الأسلحة, وكان التجار يقصدونه من مختلف الجنسيات رغم خطورة العقوبات التي يتعرضون لها, وهذا يدل على استفادتهم من التعامل مع هذا المركز التجاري والوطاسيون يقدرون أهمية الميناء بحكم انه أهم مرسى بقي بحوزتهم بعد أن تمكن الايبيريون من احتلال أغلب الثغور (مليلية – القصر الصغير – طنجة – أصيلة وسبتة ...).
ولذلك حصنوه واهتموا به اهتماما شديدا, وشجعوا عمليات الجهاد التي كانت تنطلق منه. وكان الوطاسيون يسمحون لقراصنة الجزائر بارتياده لنفس الغاية, ستعرف العرائش أول نواة حضرية متمثلة في قصبتها على يد السلطة الوطاسية (1554م – 1471م) خلال العشرية الأخيرة من القرن 15م, وفي هذا الإطار يذكر حسن الوزان أن "ابن سلطان فاس(محمد الشيخ 1505م – 1471م) قرر تعمير العرائش وعمل على تحصينها بشكل جيد".
لقد شكلت هذه القصبة النواة الأولى للتطور لمدينة العرائش خلال القرن 16م فرغم مساحتها المتواضعة فقد كانت كل البنيات الأساسية من أبواب ومساجد وقصر الحاكم, وتحتل القصية موضعا مرتفعا. يحيط بها سور وتتخلله أبراج نصف دائرية. وكن للقصبة بابان لم يبق منهما إلا باب القصية الحالي الذي يقع بجهة الغرب ويؤدي إلى مقر الحاكم.
أما الباب الثاني الذي اندثر فكان في الجهة الجنوبية الشرقية بجوار دار المخزن
إن دلالات أثار الوطاسيين تبرهن بشكل قطعي الطبيعة العسكرية التي كانت تحتها مدينة العرائش بالنسبة للمغرب خلال أواخر القرن 15م وبداية القرن 16م, ويتضح ذلك من خلال اختيار موقع المدينة فوق قلعة وإحاطة المدينة بأسوار قوية. وتحصينها بأبراج نصف دائرية بارتفاع 7 أمتار وقطر 2.5م, فالعرائش انخرطت في حركة الجهاد بالشمال الغربي للمغرب ضد الاحتلال الأجنبي منذ سقوط سبتة سنة 1415م الذي كان بمثابة الشعلة التي ألهبت حماس قواد الجهاد المحليين في الهبط والفحص.
إذن فقد اجتمعت عوامل عدة جعلت من العرائش ثغرا لاحتضان حركة الجهاد فمرساها الواقع على مصب نهر اللكوس على شكل خليج, وكأنه يوفر شروط الحماية والقدرة على الهجوم المتطلبة, مما جعل منه ملجأ للمراكب. أما باب. لها دلالات تجارية وقضائية مهمة, فقد كانت تعتبر المدخل الرئيسي للمحاكم وبجوارها فضاء القضاء      (الذي تحول حاليا إلى متجر لبيع اللحوم). إضافة إلى دور القصبة الدفاعي والحمائي, الباب كانت تقوم كذلك بدور تجاري متمثل في حدوث المبادلات التجارية عبرها.
ويتضح من خلال تصميم النواة الأولى لمدينة العرائش رغم صغر حجمها فإنها تحوي كل مرافق المدينة المتحضرة من تحصينات ومؤسسات رسمية تابعة للحكم  الوطاسي من دار الحاكم وسوق ومشور للقضاء وغير ذلك. كما أن الأسوار في جزء منها مبنية بأحجار كبيرة مصففة بشكل جيد ولا يوجد بينها مواد ماسكة.
رغم ذلك فهذه الأسوار كانت قوية جدا كما أن هناك نوعا أخر من الأسوار ذات أساسات كبيرة وبأحجار متوسطة الحجم وبناؤه مائل بشكل طفيف,
أضف إلى ذلك شكل الأبراج المرتفعة نصف الدائرية التي كانت في الأصل 11 برجا لم يبق منها إلا خمسة, وهي مائلة كذلك بشكل طفيف وذات أساسات قوية ومبنية فوق نتوءات صخرية صلبة, فرغم تداخل  جزء كبير من الأسوار والبروج بالمنازل السكنية فإن الأثر المتبقية حاليا لها دلالة واضحة على مدى شدة تحصين المدينة على يد الوطاسيين, إن وجود كثرة أبراج المتبقية دليل أخر على كثرة عيون الحراسة, وكل ذلك يؤكد الأساس العسكري الحمائي والجهادي الذي طبع المدينة العتيقة إبان إنشائها.

الآثار المرينية بالمدينة ودلالاتها التاريخية



برج طوري: أو برج اليهودي (هو الآن المتحف الأثري الصغير بالمدينة المغلقة أبوابه باستمرار) كما يسميه السكان, بني في عهد الحاكم المريني يوسف بن عبد الحق سنة 1278م وكانت وظيفته دفاعية. لحماية المدينة من الأخطار الخارجية, ومع لاستعمار الإسباني سنة 1912م حول إلى مكان للقضاء وسجن حيث تظهر إضافات في زواياه الأربع ونقيشة العلم الإسباني
والبرج يوجد بجانب السور القديم للقصبة ومساحته 130 متر مربع والبرج يحتوي على طابق تحت أرضي كان يستعمل كمخزن وطابق أرضي بالإضافة إلى سطحه الذي كان يستعمل من أجل المراقبة والدفع, وهو مجهز بمجموعة من الفتحات من أجل التصويت وإطلاق النار بواسطة مدافع صغيرة أو بنادق, والبرج مازال بحالة جيدة وارتفاع يفوق 15 متر أهله يقوم بأدوار مهمة للمراقبة والهجوم وذلك لحماية القصية التي تقول بعض الراويات أن أصلها الأول مريني, وقد استعمل البرج في كل الحقب التاريخية الوطاسية والسعدية والعلوية وأثناء الحماية الإسبانية.
إن دلالات البرج اليهودي واضحة على أن النواة الأولى للعرائش قائمة على البعد العسكري لحماية مداخل نهر لوكوس وميناء المدينة من الهجمات والأطماع الخارجية الآتية من المحيط الأطلسي.
وعند تنظيم أول أسبوع ثقافي لمدينة العرائش سنة 1978م وحول البرج إلى متحف أثري يضم بعض اللقى الأثرية لموقع ليكسوس عبر مختلف المراحل التاريخية.

الاثنين، 29 مارس 2010

العرائش عبق التاريخ يتحدث


لكل مدن العالم تاريخ يشهد عن نشأتها، ومراحل صيرورتها عبر الزمن، من خلال تعاقب حقب الحضارات وما خلفته في المكان من مآثر تشهد على دلك .و للعرائش تاريخ عريق لا يمكن نسيانه أو تناسيه لكونها من أقدم المدن المغربية ، عرفت أربع حقب ( فينيقية و قرطاجية و رومانية و إسلامية ) كما تسبب موقعها الإستراتيجي " القريب من أروبا و المتواجد في الشمال الغربي من المغرب و المطل على المحيط الأطلسي " في تعرضها للغزوات الاستعمارية الأيبيرية ، هذا التعاقب الحضاري ساهم في منح المدينة العديد من المعالم التاريخية التي تعكس غنى ثقافة المدينة و التي حافظت بالخصوص على أثار الوجود الإيبيري الذي اندمج مع العمارة الإسلامية ، في حين تضل لكسوس المدينة القديمة شاهدت على عظمة فترة تاريخ المغرب القديم . كما لعبت العرائش على امتداد تاريخها و علاقتها بالمناطق المجاورة لشمال المغرب و الأندلس دورا بارزا حيث تتمتع بخصائص مماثلة سواء من حيث الأصل أو من حيث التطور .و على اثر الانحطاط و الاندثار لمدينة لكسوس الأثرية خلال القرون الوسطى ، تم تدعيم مدينة العرائش التي كانت بمثابة مجموعة حضرية صغيرة واقع على ربوة تطل على مصب نهر اللوكوس .

الأحد، 28 مارس 2010

التواجد الإسلامي بمدينة لكسوس



إن الاستقرار بالموقع في الفترة الإسلامية, قد تبث بفضل اكتشاف مواد خزفية مؤرخة بالقرنين 13 و 14 في الأماكن التي خضعت للتنقيب وخصوصا حي المعابد, حيث كان يوجد به حي واسع لم يبق منه إلا مسجد وجزء من منزل ذي باحة .
أما البقايا فقد اختفت بسبب أفران الجير الحديثة وكذا التنقيبات الأولى التي اهتمت أساسا بالبنيات القديمة الرومانية ستختفي الحياة بتشوميس (الاسم مذكور في النصوص العربية الإسلامية ابتداءا من القرن 11م, ولا زال إلى اليوم متداول بين الأهالي كاسم لموقع ليكسوس).
ومع تأسيس العرائش التي يذكر اسمها- إن كان يعني عرائش العنب- بعناقيد العنب التي كانت تزين قديما نقود لكش الغابرة ستنتقل الحضارة إلى الضفة الأخرى من نهر لوكوس.
إن من أهم دلالات الآثار الإسلامية بليكسوس, هو أن الأبحاث الأركيولوجية أكدت وجود مسجد ذي مساحة متوسطة ومنزل ذي مواصفات المنزل الإسلامي, يدل ذلك كله على أن المسلمين بالفعل سكنوا المدينة وبعدد لا باس به, ويتضح ذلك من خلال حجم المسجد.

الآثار العلوية بمدينة العرائش ودلالاتها التاريخية.



في سنة (1173هـ/1757م) دخل المولى محمد بن عبد الله مدينة العرائش وأنزل
بها جيشا من عبيد مكناس وزاد في عمرانها وبنى بها المسجد الأعظم والسوق الصغير وحمامين هما: الحمام الكبير والحمام الصغير وأربعة أفران هي فرن القصبة وفرن السوق الداخل وفرن حومة الكبيبات وفرن باب البحر وذلك قصد تغطية مصاريف المسجد الأعظم.
وحصن المدينة ببناء صقلات وشحنها بالمدافع كما بنى بها مدرسة متصلة بالمسجد الأعظم ,واتخذ مرسى العرائش مقرا للقراصين ومركزا لصنع السفن,حيث بلغ عدد رؤساء البحرية ستين كل واحد منهم بمركبه وبحارته.
وقد شيد سيدي محمد بن عبد الله كذلك عدة فنادق من جملتها فندق زلجو, وفندق الغريسة الذي هدمه الإسبان وفتحوا مكانه الطريق التي تسمى حاليا شارع "المسيرة الخضراء" الذي يربط السوق الداخل بشارع محمد لخامس, كما بنى فندق التربيعة وفندق الجزارين وفندق القاعة وأوقف على المسجد الأعظم مساحة كبيرة من الأرض بالمكان المسمى الغديرة بضواحي المدينة تعرف بأرض مروان .
ويمكن أن نجمل أهم مراحل التطور العمراني للعرائش خلال حكم العلويين في الأتي:
بعدما تم استرجاع مدينة العرائش يوم 11 نونبر 1689م من طرف السلطان مولاي إسماعيل من الاحتلال الإسباني, عمل على إعادة المدينة بصورة طبيعة بأفراد جلبوا من المناطق المجاورة وتم إضافة أماكنه جديدة كحي الغريسة وحي باب البحر والمناطق المجاورة لشارع 2 مارس. وخلال فترة حكم السلطان سيدي محمد بن عيد الله (1757م-1790م) تم توسعة المدينة عمرانيا حيث تم إنشاء أهم معالم المدينة كالسوق الصغير والجامع الكبير ذات الطابع المغربي الإسلامي وتم تجديد مرافق عدة مثل الأسوار والمخازن وبناء دور للصناعة بحي الميناء وإضافة حي الرماة واستكمال حي باب البحر نهائيا وظهور مقرات عدة قنصليات أجنبية بالمدينة التي عرفت خلال هذه الفترة نوعا من الاستقرار والتوسع وبروز أنماط معمارية متمثلة في خلق شوارع وأزقة وبنايات على جنبات الطرق الممتدة من باب المدينة في اتجاه المنطقة المحيطة بها وأخرى داخل المنطقة المينائية.
وقد أخرج بذلك السلطان سيدي محمد بن عبد الله مدينة العرائش من النمط ألتحصيني والأسوار التي ظلت فيها مدة طويلة إلى فضاءلت أوسع, ومن خلال هذا التوسع استقرت بالمدينة جاليات صغيرة من الإسبان واليهود والبرتغاليين والفرنسيين والألمان تقيم في المناطق المجاورة بشارع 2 مارس, وقد أدى زيادة السكان المحليين إلى إضافة وبناء بعض المرافق مثل جامع الأنوار بحي القصبة وجامع الزاوية الناصرية بحي باب البحر وجامع المصباحية بحي القبيبات .
لقد وصل المولى الحسن الأول إلى العرائش ودخلها يوم 21 صفر عام 1307هـ الموافق ل 05 أكتوبر 1980م ومكث بها خمسة أيام صحبة حاشيته بالمكان المسمى الناظور فأمر ببناء فرن بطريق المرسى وحبسه على الزاوية الناصرية, ومن اهتمام هذا السلطان بالعرائش إنشاؤه عدة مشاريع اقتصادية واجتماعية مما جعل ميناءها يدخل عهدا جديدا من الرواج .
يتضح أن أهم دلالات المرافق الحيوية التي شيدها سيدي محمد بن عبد الله أنه يمكن القول إن مدينة العرائش العتيقة هي مدينة سيدي محمد بن عيد الله بامتياز, فالمعالم التي شيدها هذا السلطان متنوعة جعلت المدينة تعرف طفرة عمرانية غير مسبوقة في تاريخها ورواجا كبيرا خصوصا إذا استحضرنا سياسة الانفتاح للسلطان محمد بن عبد الله, ودور ميناء العرائش في هذه السياسة, من خلال هذا الجرد التاريخي والحضري يتضح لنا بجلاء أن العرائش خلال القرن 18 عرفت طفرة نوعية في مؤسساتها على جميع المستويات الدينية (بناء المسجد الأعظم والزوايا كالناصرية والمصباحية..) والاقتصادية (بناء سوق يضم عدد كبير من الدكاكين وساحة متصلة بباب القصبة وباب الكبيبات وباب المدينة وبها الطريق الرئيسي المؤدي مباشرة إلى الميناء عبر شارع 2 مارس الحالي) والعسكرية (زيادة في صنع المراكب وتحصين المدينة), والعرائش قد نالت النصيب الأوفر من العناية وفق سياسة الانفتاح للسلطان سيدي محمد بن عبد الله على غرار مدينة الصورية أو أكثر.