الخميس، 25 مارس 2010

تطور العرائش عبر العصور



إن مسافة ثلاث كيلومترات متقاربة جدا لذا يمكن القول إن حضارة العرائش امتداد لحضارة ليكسوس التي تعاقب عليها الفينيقيون والقرطاجيون (القرن 7 ق م – 146 ق م ), والعهد البونيقي الموريطاني, 146 ق م / 40 م والعهد الرماني (40 م / 285م) والعهد المتأخر (المسيحية والإسلام) , وبعدها انتقلت الحضارة والتمدن إلى الضفة اليسرى من نهر لوكوس, فتبدأ نواة حضرية لمدينة العرائش في موقع على أعلى نقطة من الهضبة حيث تم بناء حصون مطلة على المحيط الأطلسي لتامين مراقبة الميناء.
يقول أبو القاسم: إن العرائش أسست في صدر الإسلام ودخلها الادارسة الذين اخرجوا منها البرتغاليين الذين سبق لهم أن حتلوها سنة 222 هجرية وجعلها الادارسة مكانا للمرابطة وبنوا حصنا.
وفي القرن 12 م يؤكد الدكتور إدريس شهبون وهو أحد أساتذة التاريخ في مقال غير منشور. كان يعقوب المنصور الموحدي انزل بها العرب الهلاليين الذين أطلوا عليها اسم العرائش. وتعتبر المدينة العتيقة بالعرائش فهيأتها الحالية نتيجة عدة توسعات عمرانية عرفتها المدينة انطلاقا من القرن 15 م تاريخ بناء قصبتها والقرن 19 م حيث اكتمل عمرانها على الهيأة التي توجد عليها اليوم. وقد ذكر صاحب الذخيرة في تاريخ الدولة المرينية إن القصية قد بنيت على يد يوسف بن علي قائد القوات المسلحة أيام يعقوب بن عبد الحق المريني , ويعد تخريبها من قبل النصارى أعاد المرينيون بنائها.
لقد أدى سقوط مدينة سبتة 1415م إلى سلسلة من النتائج السلبية التي أدت إلى تدهور دولة المرينيين التي أبانت عن فشلها في الدفاع عن سبتة واسترجاعها وعن عجزها عن القيام بدورها الشرعي المتمثل في حماية المسلمين بالجهاد ,فاتجه المرينيون إلى أصيلة لكن سرعان ما تخلوا عن المدينة بعد أن تمكن الايبيريون من احتلال أغلب الثغور الشمالية ( مليلية 1497م, القصر الكبير 1458م وطنجة 1470 م وأصيلة 1471م) وفرضوا حصارا ممنهجا على التجار المغاربة.
لقد ظهر الوطاسيون على أساس الجهاد لتحرير الثغور إلى أن وصولهم إلى السلطة كان مشوبا بمرارة سقوط أصيلا (وهي عاصمتهم الأولى) في يد البرتغال, فورثوا عن المرينيين نفس الوضعية (نقض المداخيل, ضعف تجهيز الجيش, عجز عن إرجاع الطرق الصحراوية إلى سابق بنشاطه وعجز عن التصدي للخطر المسيحي) أضف لذلك أن فاس العاصمة الاقتصادية لكل المغرب قد وجدت نفسها محاصرة من الشمال الذي أغلقت منافذه بعد سقوط سبتة وغيرها من الثغور ففي ظل هذه الظروف كان الوطاسيون في الشمال يبحثون عن مركز قادر على الحلول محل سبتة وكان عدد الموانئ المتبقية تحت سلطتهم قليلا من بينها العرائش المعمورة وسلا إلا أن العرائش تعتبر أقربها إلى الشمال وإلى قاس وأسهلها طريقا.
وقد توالت الهجمات البحرية على السواحل المغربية خاصة منها العرائش قصد إلحاقها بالمستعمرات الايبيرية على الساحل الأطلسي وبالأخص البرتغالية فكانت حملة المليحة
سنة 1489م بتوغلهم في واد اللوكوس ومحاولتهم إنشاء برج في جزيرة المليحة, وقد تم إجلاؤهم من طرف محمد الشيخ الوطاسي الذي رأى ضرورة تحصين القصبة بصد غارات النصارى وقد شرع في ذلك على يد ابنه محمد الناصر المعروف بالبرتغالي في نهاية القرن 15 م منذ ذلك الحين توالت عملية الجهاد البحري انطلاقا من ميناء العرائش الذي كبد الأوربيين خسائر مادية وبشرية فادحة وتعرقلت أنشطتهم التجارية في المحيط الأطلسي بفضل جهاد ثغر العرائش.
جاء في الاستقصاء للناصري أن المؤرخ الاسباني منويل قال بأن محمد المسلوخ حينما ذهب إلى لشبونة عاصمة البرتغال, استنجد بالطاغية "سبستيان" ضد عمه عبد المالك السعدي وأخيه أحمد, وقبل سبستيان ذلك وذهب عند خاله طاغية الإسبان "فليب
الثاني" يطلب منه الإعانة على ما هو بصدده فوعده بان يعطيه من المراكب والعساكر ما يكفيه على شرط القيام بامتلاك ثغر العرائش لأنه كان يرى احتلاله يعادل احتلال سائر مراسي المغرب, وكان العامل على العرائش إذ ذلك من قبل السلطان عبد المالك السعدي هو السيد احمد بن موسى الذي حضر معركة وادي المخازن وكان احد القواد الخمسة الذين قادوا المعركة.
ويمكن القول أن المكانة الإستراتيجية التي أضحت مدينة العرائش تحتلها خلال القرن 16 م , دفعت بملك البرتغال سبستيان وبدعم من الكنيسة الأوروبية يتشجع في اقتحام ألاف المسحيين في واقعة واد المخازن وفق إستراتيجية السيطرة على القصر الكبير حيث يوجد أنصر حليفة المتوكل ثم الذهاب عن طريق البر إلى العرائش لاحتلالها لكن حدث في واقعة واد المخازن لم يكن في حسبان المتحمس سبستيان والخائن المتوكل, فكانت صاعقتهم على ضفاف ملتقى نهر لوكوس ووادي المخازن يقول محمد الصغير الافراني في حق معركة وادي المخازن "هذه الغزوة من الغزوات العظيمة والوقائع الشهيرة حضرها جم غفير من أولياء الله تعالى, حتى أنها أشيه شيء بغزوة بدر" .
واستشهد بالمعركة دفين العرائش سيدي محمد بن علي الريسوني "ضريحه بحي الكبيبات بالمدينة العتيقة ويعرف عند سكان المدينة بضريح سيدي محمد الشريف, والشيخ أبي المحاسن الفاسي القاسمي, وغيرهما من الصلحاء والمجاهدين من أهل المدينة.
وبعد المعركة حيث بويع أحمد المنصور الذهبي في ساحة النصر, ونظر لأهمية ثغر العرائش من الناحية الإستراتيجية سارع إلى تحصينا عظيما: حصن الفتح الكائن بحي الكبيبات مواجها للبحر وحصن النصر الكائن بحي القصبة لحماية المدينة من جهة البر وذلك سنة 1586 م ويندرج تحصين ثغر العرائش, ومدخل وادي اللكوس وذلك تحسبا لكل محاولة لاحتلال هذه المدينة من طرف القوات الايبيرية وبعد وفاة السلطان أحمد المنصور الذهبي "بدا النزاع والشقاق بين أبنائه فأعلنوا الحرب على بعضهم فاستعان الشيخ المأمون في نونبر 1610م بالإسبان فسلمهم مدينة العرائش مقابل المال والرجال لمواجهة أخيه زيدان. وكان حدث التسليم هذا بمثابة صاعقة نزلت على الشعب المغربي برمته, فكثرت مظاهر السخط والاستنكار لأن ضياع العرائش لم يكن غلبة ولا قهرا فيكون لمن ضيعها عذر وإنما جاء بفعل الخيانة العظمى من الأمين عليها, ولكن تسليمه لها كان بداية شرارة تأججت واكتسحت في طريقها ما بقي من أنقاض الدولة السعدية, فمباشرة بعد الحادثة ثار أبو محلى في الجنوب أما العياشي فقد جعل تحرير العرائش في مقدمة اهتماماته, وكذلك فعل الدلائيون, والأهم من هذا كله هو أن المأمون لم يهنأ بفعله فقد اغتيل على يد أحد أبناء هذه المنطقة وهو المقدم أبو الليف, ومن أبرز المجاهدين الذين أبوا البلاء الحسن في محاولة تحرير العرائش وسائل الثغور المغربية المحتلة كان المجاهد "محمد بن احمد الزياني العياشي".
وفي عهد المولى إسماعيل كان حصار العرائش بقيادة علي بن عبد الله الريفي وذلك يوم 19 غشت 1689م حيث دام الحصر ثلاثة أشهر ونصف إلى أن تم الفتح يوم الأربعاء 18 محرم 1101هـ/1689م وكان الفتح مصدر فرصة وسرور للمغاربة وقد أعطى المولى إسماعيل, اهتماما لمدينة العرائش بعد فتحها حيث اتخذها كموقع استراتيجي ساحلي بشمالي المغرب وتجلى ذلك بإنشاء قصر الباشا وهي عبارة عن إقامة مخزنية للقائد أحمد بن جدو الريفي وعمر العرائش بألف وخمسمائة جندي من جيش مكناس وحصنها وعزز الميناء وبنى مدرسة وسوقا, وبعد وفاة المولى إسماعيل سنة 1727م, انشغل أبناؤه بقضية النزاع حول الملك وبقي الأمر على تلك الحال ثلاثين سنة. إلى اعتلى عرش الدولة المغربية السلطان سيدي محمد بن عبد الله سنة 1757م الذي بدوره اهتم اهتماما كبيرا بالمن الساحلية والعلاقات الخارجية ومن بين المدن الثغرية التي حظيت باهتماماته الواسعة العرائش حيث أنزل بها جيشا من عبيد مكناس وزاد من عمرانها ودعم جهازها الدفاعي خصوصا بعدما تعرضت للحملة الفرنسية سنة 1179هـ /1765 م والتي فشلت بفضل المقاومة العرائشية وأحوازها وصارت من أهم الثغور وأعمرها في عهد هذا السلطان, وفي سنة 1830 قامت القوات النمساوية بقنبلة المدينة وأمام المغاربة تراجعت القوات الغزية وفرت تاركة ورائها 43 قتيلا وعددا من الأسرى17 .
وقد أعطت معركة تطوان سنة 1860م الفرصة للقوات الإسبانية لقصف العرائش مرة أخرى.
وفي سنة 1911 م تم إنزال إسباني جديد مفتتحة بذلك عهد الحماية الاسبانية على شمال المملكة التي انتهت باستقلال المغرب سنة 1956م.
وما كان من الاسبانيين إلا أن جعلوا من ثغر العرائش مركزا حربيا تمون منه جيوش الاحتلال التي كانت تقابل في غربي شمال المغرب وتلتقي بجيوش أخرى كانت تخرج من مدينة سبتة ففي هذين المركزين كانت الجيوش الإسبانية تضع الخطط والتدابير, ورغم أن عاصمة هذه المنطقة هي تطوان وبها يتواجد الخليفة السلطاني والمقيم العام فإن العرائش كانت هي العاصمة الاقتصادية لهذه المنطقة اعتبارا للرواج الكبير الذي يغرفه ميناؤها ونظرا لكون العرائش تقترن بذكريات عظيمة مما جعلها تصبح مقرا للقيادة العليا للجيش, ونظرا لأهمية المدينة وموقعها الإستراتيجي فقد عرفت عدة إصلاحات وشهدت تطورا عمرانيا متدرجا خارج الأسوار, ويتضح ذلك جليا من خلال تصميم شارع محمد الخامس وشارع محمد الزرقطوني الحاليين وفي 1918 ستزود العرائش بالماء الشروب من مستودع سخسوخ (يبعد عن العرائش بحوالي 10 كيلومترات) وفي هذا التاريخ تم إنشاء خط للسكة الحديدية يربط العرائش بالشبكة العامة بالمغرب عن طريق القصر الكبير . كما بنيت بها مؤسسات مدينة وعسكرية بعضها لا يزال يشغل نفس المهمة منذ عهد الحماية الاسباني إلى اليوم.

ليست هناك تعليقات: